Educational Challenges in Saudi Arabia – Arabic Translation

التحديات التعليمية في المملكة العربية السعودية

 

بقلم ماتيلدا ريبيتي

ترجمة رويفة الريامية

أهمية التعليم

لكل فرد الحق في التعليم، إذ يُعد حجر الزاوية في تقدم البشرية. كان الإغريق القدماء، الذين ابتكروا مفهوم “الپايديا” (Paideia)، وهو التكوين الشامل للشاب (pais)، والرومان الذين ترجموا هذا المفهوم لاحقًا إلى “الإنسانية” (humanitas)، على دراية بالفعل بأهمية التعليم. في الواقع، أوضح شيشرون نفسه مضمون هذا المفهوم الأخير من خلال الربط الأساسي بين الشغف بالمعرفة والارتقاء بالطبيعة البشرية (Nybakken, O. E., 1939).

على مر العصور، شهد الحق في التعليم عددًا من التغيرات قبل أن يصل إلى صيغته الحالية في المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد اعترفت المجتمعات الحديثة الآن بطبيعته العالمية والمتاحة والإلزامية، على الأقل في مراحله الأولى، وهو ما يعد ذا أهمية أساسية عند وضعه في سياق الثقافة المعاصرة. 

نبذة عن تاريخ النظام التعليمي في السعودية

Saudi students study in the Prince Salman Library at the King Saud University in Riyadh. Photo by Tribes of the World.

أدركت المملكة العربية السعودية، كما ورد في خطة النمو “رؤية السعودية 2030″، أهمية التعليم، وتصدرت دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هذا المجال.

لفهم هذه الخطة الابتكارية، من الضروري استعراض أبرز ملامح الخلفية التاريخية والسياسية. ترتكز الهوية السعودية على ثلاثة عناصر رئيسية: الإسلام، القبلية، وتجارة النفط (Ochsenwald, W. L., 2019). وبالنسبة للتعليم، فإن العنصر الديني هو الأكثر أهمية. فالمملكة العربية السعودية دولة ثيوقراطية سنية إسلامية، ولا يُمكن الحصول على الجنسية السعودية إلا لمن يعتنق الدين الإسلامي (وكالة وزارة الداخلية للأحوال المدنية، 1954).

الداعم الأكبر للعلاقة الوثيقة بين الدين والدولة هو النظام التعليمي، الذي تم تنظيمه منذ القرن السابع عبر مؤسسات مختلفة مرتبطة بالمجال الديني. من أبرز الأمثلة على ذلك “الكتاتيب”، وهي مدارس ابتدائية يُعلّم فيها الشباب السعوديون مبادئ القرآن الكريم (Esposito, John L., ed., 2003). وعلى مر القرون، وخصوصًا تحت الحكم العثماني، خضعت المدارس وأساليب التعليم للعديد من التغيرات، والتي بلغت ذروتها أخيرًا في العصور الحديثة إلى مركزية شاملة للنظام التعليمي، بإشراف المديرية الحكومية للتعليم (Rugh, W. A., 2002).

عائدات تجارة النفط لعبت دورًا أساسيًا في تمويل المشاريع التعليمية الحكومية. خاصة في أواخر السبعينيات، حيث قادت الدولة سلسلة من خطط التنمية التي أسفرت عن زيادة هائلة في نسبة الالتحاق بالمدارس بنسبة 192% في المرحلة الابتدائية، 375% في المرحلة المتوسطة، و712% في المرحلة الثانوية (Anon, 2020).

حاليًا، وفي إطار رؤية السعودية 2030، يشهد قطاع التعليم موجة جديدة من الاستثمارات تهدف إلى تزويد الطلاب السعوديين بالأدوات اللازمة لمواجهة “وظائف المستقبل” (Vision 2030, 2022). فعلى أرض الواقع، أدت النفقات العامة الكبيرة (17.5% من إجمالي 1.1 تريليون ريال سعودي في عام 2019) إلى بناء 719 مدرسة جديدة وبرنامج كبير لإعادة تدريب موظفي المدارس (تقرير ميزانية السعودية، 2018).

وقد بلغت عملية التحديث ذروتها في إنشاء نظام تعليمي واسع يتكون من شبكة من مراكز التعليم العامة مفصولة حسب الجنس ومقسمة إلى ثلاث مستويات أساسية: الابتدائية (ست سنوات)، المتوسطة (ثلاث سنوات)، والثانوية (ثلاث سنوات) (Barry, A., 2019).

اتاحة التعليم

من حيث اتاحة التعليم، يمكن القول إن النظام التعليمي في السعودية متقدم إلى حد كبير. بالنظر إلى المناطق الثلاث ذات أدنى مؤشر تنمية بشرية في البلاد (0.855 HDI)، وهي جنوب نجران، عسير، وجازان، يلاحظ أن نسبة المدارس إلى عدد السكان أكثر ملاءمة مقارنة بمنطقة الرياض الأكثر ازدهارًا في المملكة (Subnational HDI, 2023).

في الواقع، بينما تحتوي المحافظات الجنوبية على مدرسة لكل 600 مواطن تقريبًا، فإن العاصمة المكتظة بالسكان، على الرغم من أنها تضم 38.9% من المؤسسات التعليمية في السعودية، تسجل نسبة مدرسة واحدة لكل 1392 مواطنًا (تقرير التعليم في السعودية، 2021).

عامل آخر محدد لإمكانية الوصول هو القدرة على تحمل التكاليف؛ المدارس الحكومية مجانية لجميع السكان. ومع ذلك، فإن وجود العديد من المدارس الدولية الخاصة وسمعتها الرفيعة قد يؤدي إلى تقويض المساواة في الحصول على أفضل تعليم بسبب التمييز الاقتصادي (Anon, 2020). ومع ذلك، يُشار إلى أن النظام العام، بفضل مركزيته المذكورة أعلاه، هو الأكثر ترددًا من قِبل السكان، وبالتالي يُعد هذا مشكلة طفيفة (تقرير التعليم في السعودية، 2021).

بشكل عام، يمكن القول إن النظام التعليمي في السعودية يتمتع بقدر جيد من إمكانية الوصول، كما يتضح من نمو عدد الطلاب بأكثر من 6 نقاط مئوية في أربع سنوات فقط (تقرير التعليم في السعودية، 2021).

طلاب الأسر ذات الدخل المحدود

ومع ذلك، لا تعني العدالة الشكلية بالضرورة العدالة الفعلية؛ فعلى الرغم من أن النظام التعليمي يبدو متاحًا لجميع المواطنين من مختلف الفئات الاقتصادية، تشير الدراسات إلى أن الطلاب من الأسر ذات الدخل المحدود لا يتمتعون بنفس الامتيازات.

تشير البيانات إلى أن نسبة الطلاب دون سن الخامسة عشرة الذين يأتون من خلفيات اقتصادية ضعيفة والذين أعادوا سنة دراسية تبلغ 24.2%، مقارنة بمتوسط 20.3% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).

وعلى النقيض من ذلك، بلغت نسبة الطلاب من الفئات الاقتصادية الميسورة الذين اضطروا لإعادة سنة دراسية 3.3% فقط، مقارنة بـ 5.0% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. هذه البيانات تسلط الضوء على مدى الفجوة الكبيرة في فرص التعليم في السعودية، حيث تفصل 20.9 نقطة مئوية بين الطلاب المحرومين والطلاب الميسورين، مقارنة بمتوسط 15.3% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

تشير مؤشرات أخرى ذات صلة إلى نسبة الطلاب إلى المعلمين في المدارس التي تضم طلابًا من خلفيات اجتماعية واقتصادية ضعيفة أو قوية. هنا أيضًا، تُقاس معدلات التفاوت بشكل مقلق عند مقارنتها بمتوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مما يُفسر الأداء الضعيف للطلاب المحرومين في كل من الرياضيات والعلوم الإنسانية (Education GPS، 2018).

في ضوء ما سبق، من الواضح أن المملكة لا تزال بحاجة إلى اتخاذ العديد من الخطوات لتحقيق المساواة التعليمية الكاملة، حتى يتمكن كل فرد من الاستمتاع الكامل بحقه في التعليم.

تعليم المرأة

ميزة أخرى يجب أخذها في الاعتبار هي الفصل بين الجنسين، والذي ليس عائقًا بحد ذاته أمام الاستفادة من الخدمات التعليمية، ولكنه قد يكون في بعض الحالات ذريعة لتقديم تعليم أقل جودة لجنس معين، وغالبًا ما يكون الجنس الأنثوي. ومع ذلك، فإن البيانات تعكس واقعًا مختلفًا: في المملكة العربية السعودية، تتبع الطالبات نفس المناهج الدراسية ويتم اختبارهن في نفس المجالات، ويتفوقن على الطلاب الذكور في جميع المجالات التي تم فحصها، بما في ذلك الرياضيات والعلوم والمواد الدراسية الأخرى (Abdourahmane، B، 2021).

يبدو أن هذه النتائج تدعم الفرضية القائلة بأن الفصل بين الذكور والإناث، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يسمح للطالبات بالتعبير عن قدراتهن الفكرية بحرية أكبر دون ضغوط اجتماعية مرتبطة بالعلاقة بين الجنسين (Eisenkopf, Hessami, Fischbacher, & Ursprung, 2015).

مثال على ذلك هو اختيار المواد الدراسية؛ إذ وُجد أن الطالبات في المدارس الخاصة بالإناث يشعرن بارتياح أكبر عند اختيار مواد العلوم، حتى وإن كانت تُعتبر عادة “مواضيع خاصة بالذكور” (Sanford, K., & Blair, H., 2013).

في ضوء ذلك، يمكن استنتاج أن نظام الفصل بين الجنسين لا يشكل عائقًا أمام تعليم الشابات السعوديات، بل على العكس من ذلك، يسهم في تعزيز فرصهن التعليمية.

علاوة على ذلك، يتم الإبلاغ عن معدلات الالتحاق في المؤسسات التعليمية الابتدائية والثانوية على أنها متشابهة تقريبًا بين الرجال والنساء (Abdourahmane، B، 2021)، وفي عام 2018، كانت نسبة 66% من خريجي العلوم الطبيعية والرياضيات والإحصاء من النساء (OECD، 2019).

ومع ذلك، فإن القضية الحقيقية بالنسبة للمرأة السعودية تظهر بمجرد إتمام دراستها. معدل البطالة بين النساء يبلغ 21.5%، مقارنة بـ 3.5% بين الرجال (بيانات البنك الدولي، 2013). وفقًا لما أوردته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لا تزال النساء أقل احتمالًا للعمل على الرغم من تحسين المساواة بين الجنسين في مستويات التعليم العالي، وذلك بسبب “العقبات التنظيمية في مجتمع محافظ”، إلى جانب التمييز المستمر ضد النساء والنظام التعليمي الموجه حسب الجنس (Alfarran، A.، Pyke، J.، & Stanton، P.، 2018). وعلى الرغم من أن النظام التعليمي لا يمنع النساء من الحصول على تعليم كافٍ، إلا أنه يحد جزئيًا من قدرتهن على استخدام المعرفة التي اكتسبنها في سوق العمل. في هذا السياق، ينبغي قراءة بيانات إمكانية الوصول إلى النظام التعليمي للنساء جنبًا إلى جنب مع بيانات سوق العمل، للحصول على صورة أكثر اكتمالًا لنقاطه الحرجة.

Saudi Ambassador Visits His Children at ASIS. Photo by Lwi932.

الجودة

تؤدي هذه النواقص إلى نتائج أكاديمية أقل نسبياً مقارنة بمؤشرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. فقد سجل الطلاب السعوديون متوسطًا أقل بمقدار 100 نقطة من نظرائهم في دول المنظمة في اختبارات القراءة والرياضيات والعلوم. ومع ذلك، تشير تقارير برنامج التقييم الدولي للطلاب (PISA) إلى أن المتوسط لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يصل إلى 500، مع قيم تتراوح بين 400 و600. لذلك، يمكن القول إن المملكة العربية السعودية تقع ضمن نطاق جيد من الإنجازات.

استنادًا إلى ما سبق، يمكن الاستنتاج بأن النظام السعودي، على الرغم من عدم خلوه من القضايا الحرجة، يتمتع بجودة عامة كافية تؤدي إلى تحضير أكاديمي وثقافي جيد للطلاب.

في الختام، واجهت المملكة العربية السعودية العديد من التحديات في قطاع التعليم في العقود الأخيرة. ومع ذلك، أظهرت الحكومة التزامًا ثابتًا بتحسين جودة التعليم وتوفير الفرص التعليمية لمواطنيها. إن توسيع المدارس العامة وتأسيس جامعات جديدة هي بعض من الخطوات الإيجابية التي اتخذتها البلاد. على الرغم من ذلك، لا تزال هناك بعض القضايا التي تحتاج إلى حل، مثل عدم المساواة بين الجنسين والحاجة إلى تطوير نظام تعليمي أكثر عدلاً من حيث الفرص الاقتصادية. لذلك، من الضروري أن تعطي السلطات الحكومية أولوية قصوى لهذه القضية: التعليم هو حق إنساني أساسي، وفقط من خلال التعليم الجيد والشامل والعادل ستتمكن المجتمع السعودي من التقدم والازدهار.

 

المراجع

No comment yet, add your voice below!


Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *